الإعلامي عبد العزيز كوكاس

موقع خاص بالكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس

شارون » وبائعون

عبد العزيز كوكاس
‮ »‬لنا‮ ‬إخوة‮ ‬خلف‮ ‬هذا‮ ‬المدى‮ ‬إخوة‮ ‬طيبون‮ ‬يحبوننا‮ ‬ينظرون‮ ‬إلينا‮ ‬ويبكون‮ ‬ثم‮ ‬يقولون‮ ‬في‮ ‬سرهم‮:‬
ليت‮ ‬هذا‮ ‬الحصار‮ ‬هنا‮ ‬علني‭…‬‮ ‬ولا‮ ‬يكملون‮ ‬العبارة‭.‬
لا‮ ‬تتركونا‮ ‬وحيدين،‮ ‬لا‮ ‬تتركونا‮ »‬
محمود‮ ‬درويش‮ ‬في‮ « ‬حالة‮ ‬حصار‮ »‬
بابتسامتها الربيعية التي تشع بالأمل، بوجهها الصبوح الدائري كانت حياة الأخرس تقف شامخة مثل شجر السنديان في صحراء قلوبنا، تركت لعبها ودفاترها، براءة طفولتها المغتصبة، ولأن إسمها حياة فقد فجرت ذرات جسدها ودمها الوردي في قلب القدس ملتحقة بعذارى الخلود.. لست أدري‮ ‬أي‮ ‬مكر‮ ‬يحمله‮ ‬إسم‮ ‬الشهيدة‮ ‬حياة‮ ‬الأخرس‮ ‬ذات‮ ‬الستة‮ ‬عشر‮ ‬سنة‭.‬‮ ‬فهي‮ ‬ككل‮ ‬فلسطيني‮ ‬يعانق‮ ‬الموت‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬حياة‮ ‬شعب‭…‬‮ ‬لقد‮ ‬أخرستنا‮ ‬جميعا‮!!‬
أي‮ ‬كلام‮ ‬أحمر‮ ‬مثل‮ ‬الجمر‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬يصف‮ ‬ما‮ ‬يقع‮ ‬الآن‮ ‬بالأرض‮ ‬المحتلة‮! ‬أي‮ ‬كتابة‮ ‬سوداء‮ ‬مثل‮ ‬الفحم‮ ‬تستطيع‮ ‬أن‮ ‬تنقل‮ ‬كل‮ ‬هذا‮ ‬الليل‮ ‬الجاثم‮ ‬على‮ ‬صدورنا؟
لقد فكرت في أن أترك هذا البياض ناصعا احتجاجا وتضامنا وتعبيرا عن حالة إدانة لهذا الصمت العربي المخجل… فكل الكلمات كسيحة أمام بنية الشهادة والاستشهاد التي يرسمها الشعب الفلسطيني، خاصة هؤلاء الأطفال الذين ودعوا اللعب والابتسامة ودعة الأم وصدرها الحنون، وتمنطقوا بأحزمة الموت ليعانقوا فلسطين في منتصف الطريق إلى أحلامهم! هذه المنارات المضيئة في دروب ليلنا تعيد البكارة لنا، وتعلمنا أن الكتابة الحقيقية اليوم ترسم بالدم وتعمد بالشهادة! فهذه الدبابات التي تخبز المساكن والرصاص الطائش الذي يسرق وهج الحياة من شعب أعزل والصواريخ التي تحصد الأبرياء، هي ما يرسم جغرافية تاريخنا المعاصر بامتياز… وأما صمت « البائعين » لشرف العروبة ودم الإخوة، فإن « الشارون » في إسرائيل وأمريكا عرفوا كيف يقدمون الضحية في ثوب الجلاد، تحت غطاء، « الحرب على الإرهاب » الموضة الأمريكية.
إن أزمة الفلسطيني مضاعفة، فمن جهة ظل كضحية في حاجة دوما إلى أن يفسر للعالم محنته من أجل التحرر والانعتاق وأنه مظلوم ومحتل، ورغم كل تاريخ الشهادة التي دامت أكثر من50 سنة، مازال الصهيوني الغاصب يلبس مسوح البراءة ويمثل دور الحمامة الوديعة التي تريد العيش في سلام وأمن ودعة، لكن « الإرهابي » الفلسطيني يغرق إسرائيل في « مأساة حمام الدم »! وبرأيي فإن التراجيديا الفلسطينية تمثل استثناء وجوديا في الصراع الدولي على مدى التاريخ، ولأن العدو المغتصب ظل دوما يتقمص دور الضحية، وكلما أوغل سفكا في الدم الفلسطيني إلا وأجهش بالبكاء‮ ‬ولبس‮ ‬مسوح‮ « ‬الضحية‮ » ‬واستحضر‮ ‬أسطورة‮ ‬الشتات‮ ‬وأفران‮ ‬الغاز‮ ‬ليبرر‮ ‬عدوانيته‮!‬
هل‮ « ‬هكذا‮ ‬تستعاد‮ ‬الهوية‮ »‬؟‮!‬
ومن جهة أخرى كان على الفلسطيني الذي يعيش تحت قهر الحديد والنار أن يشرح للعالم، أنه يحب الحياة ما استطاع إليها سبيلا، وأنه ليس متوحشا ولا عنصريا، وأن الأمهات الفلسطينيات لا يقدمن أطفالهن قرابين لغريزة الدم وشهوانية الموت الكامنة فيهن، بل فداء للوطن، وأن الفلسطيني الذي يلقي بنفسه في أتون الموت ليس ساديا ولا مازوشيا، وإنما هو مليء بحب « الحياة على الأرض بين الصنوبر والتين، لكنه ما استطاع إليها سبيلا، ففتش عنها بآخر ما يملك:الدم في جسد اللازورد » كما عبر الرائع محمود درويش.
5‮الصحيفة في ‬أبريل2002

Navigation dans un article

Laisser un commentaire