الإعلامي عبد العزيز كوكاس

موقع خاص بالكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس

Archives mensuelles de “décembre, 2022”

كوكاس:أجمل الأمهات كادحات مغربيات بسيطات.. وأسود الأطلس أزالوا الشعودة والدعارة عن نسائنا

ظلت النساء المغربيات ضحايا الانتقام الشرقي من هذا المغرب الأقصى الذي يخفي الشمس عن المشرق، كن مجرد داعرات وساحرات، مشعوذات و »متحررات » جدا.. فماذا فعل المنتخب المغربي في مونديال قطر؟
في قلب الخليج حيث يحتفظ المتخيل الجمعي للنساء المغربيات بصورة نمطية مقززة، إذ هن إما مشعوذات، سحارات وخطافات الرجال أو داعرات، ها هنا أمهات متواضعات في قلب مدرجات المونديال، بكامل التواضع والبهاء ينزلن إلى أرضية العشب الأخضر كما البساط الأحمر في مهرجانات السينما الدولية، أمهات جليلات، كن خادمات في بيوت الأجانب، عاملات بسيطات، يرسمن الشرف ويعدن البكارة للنساء المغربيات الفاضلات، المغتصبات بالقوة والفعل، أمهات متشحات بجلابيبهن وخفرهن الرائع، بلباسهن المحلي وهن اللواتي يعشن في قلب أوروبا، معتزات بمنجزهن الذي أصبح على كل لسان عبر العالم،

TOPSHOT – Morocco’s defender #02 Achraf Hakimi (R) is greeted at the end of the Qatar 2022 World Cup Group F football match between Belgium and Morocco at the Al-Thumama Stadium in Doha on November 27, 2022. (Photo by Fadel Senna / AFP) (Photo by FADEL SENNA/AFP via Getty Images)

لذلك افتتنت الكاتبة والصحافية الإنجليزية الشهيرة أليسون ريد، بجو المشاعر الإنسانية التي منحها المنتخب المغربي مدربا ولاعبين لمونديال قطر بجلب أمهاتهم وكتبت مقالا يتقطّر شاعرية في المجلة الشهيرة « التايمز »: « بعد أن سدد أشرف حكيمي ركلة جزاء على طريقة بانينكا ضد إسبانيا، كافأته والدته الفرحة بقُبلة وضمّت رأسه بين يديها.. ونتج عن ذلك مشاهد حية ومثيرة مثل والدة الركراكي، فاطمة التي عانقت ابنها الذي بحث عنها بين الجماهير بعد الفوز على البرتغال، وكذا فعل اللاعبون وعانقوا أهاليهم. وأحضر سفيان بوفال، لاعب فريق ساوثهامبتون الإنكليزي، والدته إلى الملعب ورقصا وكأنهما في حفلة عرس، ولم يهتما بما فكر به الناس، بل الاحتفال باللحظة التاريخية فقط. وكانت هذه المظاهر تغيرا منعشا عن هوس الإنكليز بالزوجات والصديقات والقيل والقال. فالأمهات هن المحبوبات ».
إنه سحر خاص، سحر القيم الاجتماعية الحميمية التي تميز المجتمع المغربي برغم زحف العولمة والفردانية النرجسية، سحر رضا الوالدين والارتباط الحميمي بالأم.. ظهرت الأم، ليس في صورة مخملية أنيقة ومرفهة، بل الأم المكافحة التي تجوع ولا تأكل بثديها، وها هم الأبناء اليوم الذين يسوون الملايير لا يخجلون من أصولهم وانتمائهم الاجتماعي، إنه طعم إنساني نادر منحه المغرب لمونديال قطر.. لقد لعب أسود الاطلس بكرة لم تكن مملوءة فقط بالهواء والمال والسياسة، بل بالحب والوفاء للأصول والدفء الإنساني، لذلك منحوا كاس مونديال قطر، شاعرية استثنائية.

كوكاس: ممارسات حقيرة في الإعلام و لا وجود لأي عمل جماعي في غياب الإعلام

كوكاس في تسيير جلسة من ليالي مهرجان الناظور

يمثل المنتخب المغربي لكأس العالم حقبة جديدة من « القومية » الكروية

المحلل الأمريكي كيفن ب. بلاكيستون

ترجمة عبد العزيز كوكاس

في معظم الأوقات التي سمعنا عنها، كانت كأس العالم لكرة القدم، بالاسم والواقع، تسمية خاطئة. لم يكن الأمر يتعلق بالعالم في حد ذاته. كان الأمر يتعلق بأوروبا واستعمارها للعالم.

إيطاليا، فرنسا، إسبانيا، البرتغال وطبعا إنجلترا. وجميع المستعمرات والأماكن التي صدّرت إليها أوروبا لعبة كرة القدم، ليس كجهد نبيل ولكن لفرض جماليات وحساسيات أوروبية. في دول أمريكا الجنوبية بما في ذلك، على وجه الخصوص، البرازيل والأرجنتين. الدول الآسيوية.. اليابان وكوريا. وفي موطئ قدم أفريقي جنوب الصحراء في غرب إفريقيا ودول شمال الصحراء، مثل المغرب، الذي طرد منتخبه يوم الثلاثاء في قطر آخر مستعمر أوروبي له، إسبانيا، وتقدم إلى ربع النهائي – وكان بذلك الفريق السادس من خارج أوروبا أو أمريكا الجنوبية الذي يفعل ذلك في تاريخ البطولة العالمية.

أسود أطلس المغرب، فعلوا ذلك من خلال حذاء أشرف حكيمي- المولود لأبوين مغربيين في إسبانيا ونشأ في إسبانيا، والذي كان من المتوقع تاريخيا أن يلعب مع إسبانيا- بركلة جزاء ثالثة بعد تعادل سلبي. لقد باءت كل محاولات إسبانيا بالفشل..

حرر المغرب نفسه من ربقة الحكم الإسباني عام 1956 بعد 44 عاما من الاحتلال، ومثل يوم الثلاثاء حركة تحرر جديدة في الرياضة العالمية.. كما ذكر مايكل مورفي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كوينز في ورقة بحثية حديثة عن كرة القدم في إفريقيا « تم إدخال اللعبة إلى المستعمرات الإفريقية من قبل القوى الاستعمارية الغربية الرأسمالية في محاولة لجعل سكان الأراضي المحتلة حديثا أكثر قابلية للتحكم والانقياد للإدارة الاستعمارية، « كان هدف إدخال كرة القدم هو خدمة الأفكار الاستعمارية واحتياجات النظام والانضباط بين السكان المسيطر عليهم ».

لا يزال هناك الكثير من بقايا الاستعمار الاستيطاني الأوروبي في كأس العالم، على الرغم من اختراق المغرب. استمرت البطولة في تسليط الضوء على حصد كرة القدم الأوروبية أفضل المواهب من خارج شواطئها لإشباع شهيتها الجشعة للعبة داخل حدودها. من الصعب اليوم مشاهدة الجانب الأوروبي بدون ذرية دولة أفريقية احتلها ذات يوم. لم يسعني إلا أن أشعر بالألم الذي أصاب بريل إمبولو عندما أشار بالاعتذار بعد تسجيله لسويسرا ضد موطنه الكاميرون.

« هنا تكمن المشكلة »، بعث غرانت فاريد، أستاذ بجامعة كورنيل للدراسات الإفريقية واللغة الإنجليزية، عبر البريد الإلكتروني، رسالة صاغ فيها حبه لكرة القدم: « أشباح العولمة، الهجرة القسرية، اللاجئ، النوع الطموح لما بعد الاستعمار، الذي يبحث عن مراعي أكثر خضرة، أي مراعي أوروبية، يرتدي أبناؤها الآن ألوان ما كان يوما علما إمبرياليا. التناقضات كثيرة، يتساءل فاريد: « لماذا يهزم الكاميروني الكاميرون؟

ولكن إذا كانت إحدى مباريات كأس العالم قد ألمحت إلى أن التيار بدا يتحول قليلاً، وأن أرضية اللعب كانت متساوية، فهذا هو الملعب. وكيف يتم السماح بذلك، نظرا لأنه سمح لأول مرة بتكريم الشرق الأوسط لاحتضان المونديال. بعد أن كان في إفريقيا لأول مرة في عام 2010، في جنوب إفريقيا المحررة. بعد أن كان في آسيا لأول مرة عام 2002، في اليابان وكوريا الجنوبية.

في الواقع، يجب أن تلعب كأس العالم على المسرح العالمي وليس في مجرد قارة واحدة أو قارتين. ويجب أن يكون احتفالاً بالرياضيين في العالم، وليس فقط بأولئك الموجودين في أوروبا. مونديال قطر قرب كرة القدم من هذا المثل الأعلى.

مما لا شك فيه، عندما دخلت نهائيات كأس العالم دور الستة عشر يوم السبت، تم تمثيل جميع القارات الست المأهولة بالسكان لأول مرة. وشمل ذلك فريقين من إفريقيا – السنغال والمغرب – وفريقان من آسيا واليابان وكوريا الجنوبية، حيث يعتقد أن البحارة البريطانيين هم من وضعوا اللعبة في أواخر القرن التاسع عشر، كما تقدمت أستراليا أيضا إلى دور الـ 16. من خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية وصلوا إلى ربع النهائي قبل المغرب. ولم يلعب أي فريق من خارج أوروبا أو أمريكا الجنوبية في نهائي كأس العالم. كانت نهاية الأسبوع الماضي بمثابة أفضل فرصة لتحقيق هذا الاختراق، مما جعل كأس العالم هذه الأكثر تنوعًا وشمولية للجميع.

ليس هناك شك في أن بقية النجاح المتصاعد في العالم في الرياضة الأكثر شعبية في العالم يرجع إلى المزيد من تلك المواهب التي جمعتها أوروبا منذ فترة طويلة من نقاط خارج حدودها، تلعب الآن من أجل مسقط رأسها أو أصلها، وليس لمستعمر أوروبي من الذي ربما يكون مكان الميلاد قد حرر نفسه، غالبا في صراعات وحشية. على سبيل المثال، يُقال إن توماس بارتي الغاني يحمل جواز سفر إسباني لكنه استمر في تمثيل بلده الأصلي، أول دولة أفريقية تحرر نفسها من الحكم البريطاني، في كأس العالم. يختار الآن اللاعبون المولودون في الخارج من أصل أفريقي، مثل إيناكي ويليامز المولود في إسبانيا، في كثير من الأحيان، اللعب في منازل أجدادهم. كما ارتدى ويليامز قميص غانا.

وليامز هو واحد من أكثر من 130 لاعباً في كأس العالم يلعبون لبلد غير بلدهم الأصلي. معظم هؤلاء كانوا مناسبين لواحد من الفرق الخمسة في القارة الأفريقية. بالنسبة للكثيرين، يبدو الأمر وكأنه شعور جديد بالقومية- الوطنية. كانت والدة ويليامز، كما روى القصة، حاملاً به عندما فرت من غانا، وعبرت الصحراء حافية القدمين على طول الطريق إلى إسبانيا. لكن شقيقه الأصغر نيكو، المولود في بامبلونا، لعب دور البطولة في الفريق الإسباني الذي ساعد اللاعبون المغربيون « المولدون » في القضاء عليه الثلاثاء الماضي.

في كرة القدم، عاد الدجاج أخيرا إلى المنزل ليبيت.

https://www.washingtonpost.com/sports/2022/12/07/morocco-world-cup-europe-colonizer/

نادي الصحافة يناقش راهن الإعلام وكيفية تخليصه من “الرداءة”

في لقاء، نظم على هامش اجتماع نادي الصحافة بالمغرب، بمركز مولاي رشيد ببوزنيقة، حول موضوع:” راهن الإعلام بالمغرب؟”، قال الكاتب والإعلامي عزيز كوكاس، إن أول شرط لخلق قيم مشتركة، هو الحوار، والإنصات إلى البعض دون صراع الأصوات، أو الربح والخسارة.

وأبرز كوكاس في هذه الندوة التفاعلية، التي عرفت حضور العديد من الأسماء المنتسبة لقطاع الصحافة والإعلام، أن الصحافة عموما تعيش أزمة حقيقية، والصحافة الورقية بالخصوص، تعيش صراع وجود مرتبط بصراع أنطولوجي عام، حيث طغت الحداثة، ولعبت الأنترنيت أدوارا هامة، فيما لا يزال مصدر الورق واحد، وهو الخشب، وصار من الصعب تحطيم عشرات الأشجار بدون حساب.

وأضاف أنه في غياب مصادر أخرى غير الخشب، ستزداد تكلفة الورق.

وعرج كوكاس إلى الحديث عن الدعم الذي تمنحه الحكومة للمنابر الإعلامية منذ 15 سنة مضت، مشيرا إلى أن “دعم الدولة للإعلام خلق أثرياء الصحافة، وفقرائها، خلفت قلة قليلة من أغنياء الصحافة، والبقية لازالت تواجه الفقر.. فصار هم الإعلاميين التسابق نحو الدعم”، مشددا على ضرورة المحاسبة على سوء التدبير التي تعيشه عدد من المؤسسات الإعلامية.

كوكاس تحدث أيضا عن الأوضاع المزرية للعديد من الصحافيين، مشيرا إلى أن جلهم لا يجد في آخر حياته ثمن التطبيب، والدواء، وقال في هذا الصدد “هناك من هم أشبه بشهداء الصحافة، نهايات مأساوية عاشها البعض رغم أنهم قدموا الكثير للصحافة، لذلك نحتاج إلى تقوية الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، للبحث عن ما هو أعمق من تحسين الأجور”.

وأشار عزيز كوكاس إلى توالد مقاولات ربحية اليوم، صارت تهدد الإعلام، كما أن الإشهار جبان، يميل حيث التداول، والبحث عن البوز، وأعراض الناس صار مباحا، حيث صار كل شيء شأنا عموميا..

وأفاد في هذا الصدد بأن الإعلام اليوم، يعيش صراعا حقيقيا بين جيلين، بينهما تباعد في القيم والتربية.

وفي تفاعل مع النقاش حول واقع الإعلام المغربي، تقدم الإعلامي جمال المحافظ بتوصيات للنهوض بمهنة الصحافة، مشددا على ضرورة الترافع لتنقية الأجواء مع الأطراف المتواجدة خارج الجسم الصحافي.

وأثار جمال المحافظ مسألة اللجوء إلى مسطرة العفو في حديثه عن الصحفيين المعتقلين الذين قضى القضاء في حقهم بعقوبات حبسية، وقال في هذا الصدد:”

جميل جدا لو أن نادي الصحافة في المغرب يأخذ مبادرة طلب العفو الملكي على الصحفيين الذين تم الحكم عليهم بعقوبات حبسية”.

ومن بين توصيات جمال المحافظ أيضا، ضرورة الترافع في مسألة اللجوء إلى القانون الجنائي في قضايا النشر من أجل تعديل تلك القوانين”.

وفي مداخلة له، قال الإعلامي رشيد البلغيتي إن هناك مواجهة بين الصحافي، والمؤثر، مشددا على أنه على المجلس الوطني للصحافة، والنقابة الوطنية للصحافة بالمغرب البحث عن الطرق المناسبة للرفع من قيمة الصحفي.

وأفاد البلغيثي، أن الذرع الأول للصحفي هو الأجر، “صحفي محصن من الرشوة، في مهنة يحمل فيها الصحفي قلمه، وكأنه يحمل مشرط طبيب، الطبيب يقتل شخصا واحدا، فيما نقتل نحن الصحفيين مجتمعا”.

وفيما أكد على ضرورة مراجعة الاتفاقية الجماعية للصحافيين، أثار البلغيثي سؤال الاستقلالية المالية، وتحدث عن الإشهار كأداة تمنحها الحكومة لمؤسسات دون أخرى بسبب خط التحريري.

هذا، وخلص المشاركون في هذا النقاش التفاعلي على ضرورة النهوض بالإعلام المغربي، واستعادة دوره في التربية، والدفاع عن القيم، وتخليصه من “الرداءة” التي صارت عنوانا لبعض المنابر، مشددين على ضرورة فتح ورش حول الإعلام المغربي الذي صار يحتاج إلى استراتيجية إعلامية واضحة المعالم.

عبد العزيز كوكاس في مداخلة حول وسائط التواصل ما بين حرية التعبير والتفاهة

عبد العزيز كوكاس في مداخلة حول وسائط التواصل ما بين حرية التعبير والتفاهة

ما أيسر ما نطلبه من هذا العالم، ليتنا لم نكبر..

لم تعد الحياة تهدهدنا على سرير ناعم، ولا الآباء قادرين على العفو عن زلاتنا الصغيرة وكذبنا الأبيض، ملح البحر أضحى لا ينعش ذكرياتنا، وملائكة اليمين ضجوا من فراغ كتبهم، والأغاني القديمة لا تنشط دورتنا الدمية لاجتياز درج في سلم الوجود.

الأشجار التي نمر عليها كل صباح سئمت وقوفها، ولم تعد قادرة على رفع يدها للتحية بسبب الكآبة العفنة في الضلوع.. كيف يمكن أن نعيد لأوراق الشجر المتساقط على الرصيف نسغ الروح، أوصاف الزهر وعطر النساء الجميلات وأغاني الحصاد القديمة.

صارت البراعم تذوي في الحديقة قبل أن يبتسم السنونو، جفّت الوديان التي كنا نستلقي على حرير سريرها لنختلس النظر إلى السماء في وضع عائم، ولم يعد بمقدور المطر أن يفي بوعوده التي تجعلنا مثل خطاطيف تبشر بالربيع، ما عدنا ننتظر من السكينة أن تقتنع بأن تعوج على طللنا، والكلمات فقدت طرافتها وأخذت تنمو في أفواهنا مع تعب السنين وتشيخ، شياطيننا ذاتها أضحت خاملة، لم تعد تمنحنا ذلك النزق الطفولي للمغامرة..

فجأة سقطنا في ركام الغبار وحطام بقايا الذاكرة وشظايا الأحلام الملتبسة برؤيا المنجمين في الكتب الصفراء.. هذا زمن المهازل والملاحم البليدة، ما بزغ منها وما بطن.. حتى الفراغ يدلي برأيه فيما صرنا إليه، فيما السماء تحاول أن تبدو محايدة ومحافظة على اتزانها في القضايا المتشابهة. خلت الطرقات من أثر الدهشة وأمراضنا فقدت أسماء جنسها وأضحت تحيل على أصل الحيوان فينا، من جنون البقر إلى أنفلونزا الخنازير.

داخت الأرض، ولم تعد قادرة على إتمام دورتها لا حول قرص الشمس ولا حول وجه القمر الكابي، لم تعد تجذبنا حكايا عيون الماء.. يسّاقط العمر على إيقاع رقص الساعة الحائطية مثل الدمعة المنهكة.. كم بحثنا عن حلم لا يلوي عنقه الريح.. غبش حزين يتمطى في جنبات المدفئة، يتثاءب.. حتى قراصنة الوقت وقائدو الحروب الصديقة والمرهفة الأحاسيس، لم يدفعوا جزيرتنا قليلا عن موانئ الألم.. حيث ترسو سفن الجراح.

أضحت الهاوية سافرة نسير إليها بأقدام متبرجة.. والأحزان أضحت مسكوكة، وليس لدموعها دفء ملح البحر، يبست شفاهنا وتخشبت نظراتنا.. وما عاد الهواء يتسع لنأمة طفل كان يسكننا، امتلأت قلوبنا بالبثور ووحل الطريق، وأضحت مثل كيس مليء بأصوات الجماجم، لم نعد قادرين على إبعاد شعر الليل عن السماء لنرى بكامل الوضوح شهوات الشمس على صفحة وجهها.

الورود اعتلاها الشحوب، العصافير فقدت شهية النشيد والحقول أضاعت بكارة نضارتها، والخيول باعت صوتها الأصيل في سوق النخاسة.. وزهرة الغنباز أصابها الوسن قبل وصول العقارب إلى الالتصاق في منتصف ساعة الجدار.. الأصدقاء القدامى تناثروا في كل الزوايا، تساقطت نجومهم على اليابسة، والأحبة انفضوا خارج أحلامنا المشتركة، ولم يعد أحد منا يبحث في أصداف المحار عما يجعل رحيلنا له طعم المغامرة، ولا كيف نملأ ثقوب الزمن حتى بخرق بالية.

بالأمس كنا نحضن الأشياء بصدق العاشقين، نهرب أحلامنا الصغيرة إلى الظل، نربيها على حرير أيدينا ونعدها على أصابع من نحب، ثم نصغي لصوتها القادم من كهوف بعيدة، كأنها أصوات الأزل.. اقتنعنا بسذاجة، بكوننا نملك سر الينابيع وفطرة الفراشات التي تفجر الحنين في الأزهار، مثل الشموع المضيئة كنا، وبذرة الحياة تختمر فينا مطرزة بحرير الحلم وعرق السواعد المشمرة لزرع حبة أمل.. كان للشوك ملمس الحرير تحت وجع أقدامنا ونيران الدروب الموجعة بردا وسلاما على أرواحنا، لأننا أسكننا الكون أعراسا ورؤى، وخبأنا في طرف الشمس مدائن وأسرار وكوّمنا في الأفق مطرا طاهرا يغسل به الجناة والجلادون سيوفهم من أثر دمائنا، كنا نسارع الخطو في بحر الأزمنة دون الوصول إلى عتبة واحدة من الأمكنة المشتهاة، لأننا سرنا إلى الحياة مسندين جباهنا إلى موت أجلّ.

ظللنا نكابر دفاعا عن وهم خيوط شمس ناعمة تدخل دروبنا العتيقة لتلامس الأجساد المسهدة وتمدنا بالدفء في ظل فراغ مهول للسياق التاريخي.. كنا نبتهج بالقليل، ولا نتساءل عن القسمة الضيزى، وكلما حل الصيف، اغترفنا الحكايات والماء المستحيل من أوراق الشجر وفخذ النساء.

كنا نكدس سنابل الفرح الذي لا نسرفه كثيرا في مواسم الحصاد، لليالي العجاف وأيام الهلع.. نقيم المودة بكل التقسيط المريح مع ما يشاكس رغباتنا، ولا نترك فرصة للتجاعيد كي تصدح بركام العمر المتعب.. حتى خصوماتنا وشجارنا كان مثل بوح العصافير.. مثل بقايا عصر بطولي نبدو الآن، متضخمين في كل شيءقاماتنا، شراهتنا وهواجسنا، خيباتنا وأحزاننا، فيما أصبح العالم الذي نقيم فيه ولا يقيم فينا، في قمة سلم التمدن الحضاري، “قرية صغيرة” تضيق عن الحالمين والتائهين.. مثل النسور كنا، نشتهي أعالي الأماني لا المواقع، اللاحد نربيه، نوسع به حدقة أعيننا من أجل الآخرين، كنا مستعدين لنختصر فسحة عمرنا لنحافظ على شمس البسمة في روابينانحلم ونحلم ونحلم، وحين نفتح أعيننا من جديد ونبذل قصارى جهدنا لنرى بقية الحلم.. آه كم كانت أحلامنا بريئة وكانت الحياة أبهى.

لماذا لم يعد يجرفنا الحنين إلى بهاء الغامض فينا؟

بار زمن المعجزات ولم يعد هناك ما يفاجئنا.. نزفت أحلامنا كالجرح في جسد الريح، هزلت أمانينا وأصيبت بالكساح، ولم تعد أحصنة الخيال تملك نفس الجموح، ضاع صهيلها الذي كان يزهو في الآفاق، متموجا مع الريح مثل زغرودة فرح الفاتحين.

ذهب عمرنا سريعا في اتجاه مضاد لرياحنا المشتهاة، ولم نستطع اللحاق به، ولا بقينا في الميناء حيث ودعناه، لنستدفئ بأمانينا عنه وبالذكريات الخوالي.. اهترأت ساعاتنا وحرقة اللوعة لغيوم بعيدة، وفجأة انطلقت في غفلة عنا جحافل الوحوش التي احتجزها تهذيب الطبيعة البشرية لقرونصحيح أننا أصبحنا ندرك الفروق الدقيقة أكثرالغيوم العشرة المنتصبة فوق رؤوسنا، الكرسي الذي يهتز كلما افتقد شهوة الحنين، المقبرة العتيقة التي تستقبل كل يوم موتى بلا عدد ولا حلم، والعرافة التي تقرأ الطالع على أكف الشواهد الباردة.. عود الثقاب النائم في سرير الزحام، الأشجار المحزوزة الأعناق، المشانق المحلاة بدليل إشهاري، المصعد الإلكتروني والشبكة العنكبوتية..

لمَ ننوء بثقل كل آثام الوجود ونبتلع الأحزان كأدوية مرة؟ نحتفي بالفوضى المنظمة وبالشك في نجاعة وعود الربيع..

ما أصعب ما نطلبه من هذا العالم، ليتنا.. ليتنا لم نكبر.

Navigation des articles